فصل: ذكر خروج أستاذ سيس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر خروج حسان بن مجالد

وفيها خرج حسان بن مجالد بن يحيى بن مالك بن الأجدع الهمداني‏.‏

ومالك هذا هو أخو مسروق بن الأجدع‏.‏

وكان خروجه بنواحي الموصل بقرية تسمى بافخارى قريب من الموصل على دجلة فخرج إليه عسكر الموصل وعليها الصقر بن نجدة وكان قد وليها بعد حرب بن عبد الله فالتقوا واقتتلوا وانهزم عسكر الموصل على الجسر وأحرق الخوارج أصحاب حسان السوق هناك ونهبوه‏.‏

ثم إن حسان سار إلى الرقة ومنها إلى البحر ودخل إلى بلد السند وكانت الخوارج من أهل عمان يدخلونهم ويدعونهم فاستأذنهم في المصير إليهم فلم يجيبوه فعاد إلى الموصل فخرج إليه الصقر أيضًا والحسن بن صالح بن حسان الهمداني وبلال القيسي فالتقوا فانهزم الصقر وأسر الحسن بن صالح وبلال فقتل حسان بلالًا واستبقى الحسن لأنه من همدان ففارقه بعض أصحابه لهذا‏.‏

وكان حسان قد أخذ رأي الخوارج عن خاله حفص بن أشيم وكان من علماء الخوارج وفقهائهم ولما بلغ المنصور خروج حسان قال‏:‏ خارجي من همدان قالوا‏:‏ إنه ابن أخت حفص بن أشيم‏.‏

فقال‏:‏ فمن هناك وإنما انكر المنصور ذلك لأن عامة همدان شيعة لعلي وعزم المنصور على إنفاذ الجيوش إلى الموصل والفتك بأهلها فأحضر أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وقال لهم‏:‏ إن أهل الموصل شرطوا إلي أنهم لا يخرجون علي فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم وقد خرجوا‏.‏

فسكت أبو حنيفة وتكلم الرجلان وقالا‏:‏ رعيتك فإن عفوت فأهل ذلك أنت وإن عاقبت فبما يستحقون‏.‏

فقال لأبي حنيفة‏:‏ أراك سكت يا شيخ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أباحوك ما لا يملكون أرأيت لو أن امرأة أباحت فرجها بغير عقد نكاح وملك يمين أكان يجوز أن توطأ قال‏:‏ لا‏!‏ وكف عن أهل الموصل وأمر أبا حنيفة وصاحبيه بالعود إلى الكوفة‏.‏

  ذكر استعمال خالد بن برمك

وفيها استعمل المنصور على الموصل خالد بن برمك وسبب ذلك أنه بلغه انتشار الأكراد بولايتها وإفسادهم فقال‏:‏ من لها فقالوا‏:‏ المسيب بن زهير فأشار عمارة بن غمرة بخالد بن برمك فولاه وسيره إليها وأحسن الناس وقهر المفسدين وكفهم وهابه أهل البلد هيبةً شديدة مع وفيها ولد الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك لسبع بقين من ذي الحجة قبل أن يولد الرشيد بن المهدي بسبعة أيام فأرضعته الخيزران أم الرشيد بلبن ابنها فكان الفضل بن يحيى أخا الرشيد من الرضاعة ولذلك يقول سلم الخاسر‏:‏ أصبح الفضل والخليفة هارو ن رضيعي لبان خير النساء وقال أبو الجنوب‏:‏ كفى لك فضلًا أنّ أفضل خرّةٍ غذتك بثديٍ والخليفة واحد ذكر ولاية الأغلب بن سالم إفريقية لما بلغ المنصور خروج محمد بن الأشعث من إفريقية بعث إلى الأغلب ابن سالم بن عقال بن خفاجة التميمي عهدًا بولاية إفريقية‏.‏

وكان هذا الأغلب ممن قام مع أبي مسلم الخراساني وقدم إفريقية مع محمد بن الأشعث فلما أتاه العهد القيروان في جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة وأخرج جماعةً من قواد المضرية وسكن الناس‏.‏

وخرج عليه أبو قرة في جمعٍ كثير من البربر فسار إليه الأغلب فهرب أبو قرة من غير قتال وسار الأغلب يريد طنجة فاشتد ذلك على الجند وكرهوا المسير وتسللوا عنه إلى القيروان فلم وكان الحسن بن حرب الكندي بمدينة تونس وكاتب الجند ودعاهم إلى نفسه فأجابوه فسار حتى دخل القيروان من غير مانع‏.‏

وبلغ الأغلب الخبر فعاد مجدًا فقال له بعض أصحابه‏:‏ ليس من الرأي أن تعدل إلى لقاء العدو في هذه العدة القليلة ولكن الرأي أن تعدل إلى قابس فإن أكثر من معه يجيء إليك لأنهم كرهوا المسير إلى طنجة لا غير وتقوى بهم وتقاتل عدوك‏.‏

ففعل ذلك وكثر جمعه وسار إلى الحسن بن حرب فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم الحسن وقتل من أصحابه جمع كثير ومضى الحسن إلى تونس في جمادى الآخرة سنة خمسين ومائة ودخل الأغلب القيروان‏.‏

وحشد الحسن وجمع فصار في عدة عظيمة فقصد الأغلب فخرج إليه الأغلب من القيروان فالتقوا واقتتلوا فأصاب الأغلب سهمٌ فقتله وثبت أصحابه فتقدم عليهم المخارق بن غفار فحمل المخارق على الحسن وكان في ميمنة الأغلب فهزمه فمضى منهزمًا إلى تونس في شعبان سنة خمسين ومائة وولي المخارق إفريقية في رمضان ووجه الخيل في طلب الحسن فهرب الحسن من تونس إلى كنايه فأقام شهرين ثم رجع إلى تونس فخرج إليه من بها من الجند فقتلوه‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن الحسن قتل بعد قتل الأغلب لأن أصحاب الأغلب ثبتوا بعد قتله في المعركة فقتل الحسن بن حرب أيضًا وولى أصحابه منهزمين وصلب الحسن ودفن الأغلب وسمي الشهيد

  ذكر الفتن بالأندلس

في هذه السنة خرج سعيد اليحصبي المعروف بالمطري بالأندلس بمدينة لبلة‏.‏

وسبب ذلك أنه سكر يومًا فتذكر من قتل من أصحابه اليمانية مع العلاء وقد ذكرناه فعقد لواء فلما صحا رآه معقودًا فسأل عنه فأخبر به فأراد حله ثم قال‏:‏ ما كنت لأعقد لواء ثم أحله بغير شيء‏!‏ وشرع في الخلاف فاجتمعت اليمانية إليه وقصد إشبيلية وتغلب عليها وكثر جمعه فبادره عبد الرحمن صاحب الأندلس في جموعه فامتنع المطري في قلعة زعواق لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فحصره عبد الرحمن فيها وضيق عليه ومنع أهل الخلاف من الوصول إليه‏.‏

وكان قد وافقه على الخلاف غياث بن علقمة اللخمي وكان بمدينة شذونة وقد انضاف إليه جماعةٌ من رؤساء القبائل يريدون إمداد الطري وهم في جمع كثير‏.‏

فلما سمع عبد الرحمن ذلك سير إليهم بدرًا مولاه في جيش فحال بينهم وبين الوصول إلى المطري فطال الحصار عليه وقلت رجاله بالقتل ففارقه بعضهم فخرج يومًا من القلعة وقاتل فقتل وحمل رأسه إلى عبد الرحمن‏.‏

فقدم أهل القلعة عليهم خليفة بن مروان فدام الحصار عليهم فأرسل أهلها يطلبون الأمان من عبد الرحمن ليسلموا إليه خليفة فأجابهم إلى ذلك وآمنهم فسلموا إليه الحصن وخليفة فخرب الحصن وقتل خليفة ومن معه ثم انتقل إلى غياث وكان موافقًا للمطري على الخلاف فحصرهم وضيق عليهم فطلبوا الأمان فآمنهم إلا نفرًا كان يعرف كراهتهم لدولته فإنه قبض عليهم وعاد إلى قرطبة فلما عاد إليها خرج عليه عبد الله بن خراشة الأسدي بكورة جيان فاجتمعت إليه جموعٌ فأغار على قرطبة فسير إليه عبد الرحمن جيشًا فتفرق جمعه فطلب الأمان فبذله له عبد الرحمن ووفى له‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها عسكر صالح بن علي بدابق ولم يغز‏.‏

وحج بالناس أبو جعفر المنصور وكان ولاة الأمصار من تقدم ذكرهم‏.‏

وفيها مات سليمان بن مهران الأعمش وكان مولده سنة ستين‏.‏

وفيها مات جعفر بن محمد الصادق وقبره بالمدينة يزال وهو وأبوه وجده في قبر واحد مع الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

وفيها مات زكرياء بن أبي زائدة‏.‏

وأبو أمية عمرو بن الحارث بن يعقوب مولى قيس بن سعد بن

عبادة وقيل غير ذلك وكان مولده سنة تسعين‏.‏

وعبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ويقال مولى تميم وهو ثقة‏.‏

ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي‏.‏

ومحمد ابن الوليد الزبيدي‏.‏

ومحمد بن عجلان المدني‏.‏

وعوام بن حوشب بن يزيد ابن رويم الشيباني الواسطي‏.‏

ويحيى بن أبي عمرو السيباني من أهل الرملة‏.‏

سيبان بالسين المهملة ثم بالياء المثناة من تحت ثم بالباء الموحدة‏:‏ بطن من حمير‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة

وفيها غزا العباس بن محمد الصائفة أرض الروم ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الأشعث فمات محمد في الطريق‏.‏

وفيها استتم المنصور بناء سور بغداد وخندقها وفرغ من جميع أمورها وسار إلى حديثة الموصل ثم عاد‏.‏

وحج بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

وفيها عزل عبد الصمد بن علي على مكة في قول بعضهم واستعمل محمد بن إبراهيم‏.‏

وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم سوى مكة والطائف‏.‏

وفيها أغزى عبد الرحمن صاحب الأندلس بدرًا مولاه إلى بلاد العدو فجاوز إليه وأخذ جزيتها‏.‏

وكان أبو الصباح حي بن يحيى على إشبيلية فعزله فدعا إلى الخلاف فأنفذ إليه عبد الرحمن وخدعه حتى حضر عنده فقتله‏.‏

وفيها مات سلم بن قتيبة الباهلي بالري وكان مشهورًا عظيم القدر‏.‏

وكهمس بن الحسن أبو الحسن التميمي البصري‏.‏

وفيها توفي عيسى بن عمر الثقفي النحوي المشهور وعنه أخذ الخليل النحو وله فيه تصنيف‏.‏

  ثم دخلت سنة خمسين ومائة

  ذكر خروج أستاذ سيس

وفيها خرج أستاذ سيس في أهل هراة وباذغيس وسجستان وغيرها من خراسان وكان فيما قيل في ثلاثمائة ألف مقاتل فغلبوا على عامة خراسان وساروا حتى التقوا هم وأهل مرو الروذ فخرج إليهم الأجشم المروروذي في أهل مرو الروذ فقاتلوه قتالًا شديدًا فقتل الأجشم وكثر القتل في أصحابه وهزم عدة من القواد منهم‏:‏ معاذ بن مسلم وجبرائيل بن يحيى وحماد ابن عمرو وأبو النجم السجستاني وداود بن كرار‏.‏

ووجه المنصور وهو بالرذان خازم بن خزيمة إلى المهدي فولاه المهدي محاربة أستاذ سيس وضم إليه القواد‏.‏

فسار خازم وأخذ معه من انهزم وجعلهم في أخريات الناس يكثر بهم من معه وكان معه من هذه الطبقة اثنان وعشرون ألفًا‏.‏

ثم انتخب منهم ستة آلاف رجل وضمهم إلى اثني عشر ألفًا كانوا معه من المنتخبين وكان بكار بن سلم فيمن انتخب وتعبأ للقتال فجعل الهيثم بن شعبة بن ظهير على ميمنته ونهار بن حصين السعدي على ميسرته وبكار بن سلم العقيلي في مقدمته وكان لواؤه مع الزبرقان‏.‏

فمكر بهم وراوغهم في أن ينقلهم من موضع إلى موضع وخندق إلى خندق حتى قطعهم وكان أكثرهم رجالة ثم سار خازم إلى موضع فنزله وخندق عليه وعلى جميع أصحابه وجعل له أربعة أبواب وجعلى على كل باب ألفًا من أصحابه الذين انتخب‏.‏

وأتى أصحاب أستاذ سيس ومعهم الفؤوس والمرور والزبل ليطموا الخندق فأتوا الخندق من الباب الذي عليه بكار بن سلم فحملوا على أصحاب بكار حملة هزموهم بها فرمى بكار بنفسه فترجل على باب الخندق وقال لأصحابه‏:‏ لا يؤتى المسلمون من ناحيتنا‏.‏

فترجل معه من أهله وعشيرته نحو من خمسين رجلًا وقاتلوهم حتى ردوهم من بابهم ثم أقبل إلى الباب الذي عليه خازم رجل من أصحاب أستاذ سيس من أهل سجستان اسمه الحريش وهو الذي كان يدبر أمره فلما رآه خازم مقبلًا بعث إلى الهيثم بن شعبة وكان في الميمنة يأمره أن يخرج من الباب الذي عليه بكار فإن من بإزائه قد شغلوا عنهم ويسير حتى يغيب عن أبصارهم ثم يرجع من خلف العدو وقد كانوا يتوقعون قدوم أبي عون بن سلم بن قتيبة من طخارستان‏.‏

وبعث خازم إلى بكار‏:‏ إذا رأيت رايات الهيثم قد جاءت كبروا وقولوا‏:‏ قد جاء أهل طخارستان‏.‏

ففعل ذلك الهيثم وخرج خازم في القلب على الحريش وشغلهم بالقتال وصبر بعضهم لبعض‏.‏

فبينا هم على ذلك نظروا إلى أعلام الهيثم فتنادوا بينهم‏:‏ جاء أهل طخارستان فلما نظروا إليها حمل عليهم أصحاب خازم فكشفوهم ولقيهم أصحاب الهيثم فطعنوهم بالرماح ورموهم بالنشاب‏.‏

وخرج عليهم نهار بن حصين من ناحية الميسرة وبكار بن سلم وأصحابه من ناحيتهم فهزموهم ووضعوا فيهم السيوف فقتلهم المسلمون فأكثروا وكان عدد من قتل سبعين ألفًا وأسروا أربعة عشر ألفًا ونجا أستاذ سيس إلى جبل في نفر يسير فحصرهم خازم وقتل الأسرى ووافاه أبو عون وعمرو ابن سلم ومن معهما فنزل أستاذ سيس على حكم أبي عون فحكم أن يوثق أستاذ سيس وبنوه وأهل بيته بالحديد وأن يعتق الباقون وهم ثلاثون ألفًا فأمضى خازم حكمه وقيل‏:‏ إن خروج أستاذ سيس كان سنة خمسين وكانت هزيمته سنة إحدى وخمسين ومائة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن أستاذ سيس ادعى النبوة وأظهر أصحابه الفسق وقطع السبيل‏.‏

وقيل‏:‏ إنه جد المأمون أبو أمه مراجل وابنه غالب خال المأمون وهو الذي قتل ذا الرياستين الفضل بن سهل لمواطأة من المأمون وسيرد ذكره إن شاء الله‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل المنصور جعفر بن سليمان عن المدينة وولاها الحسن ابن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي‏.‏

وفيها خرج بالأندلس غياث بن المسير الأسدي بنائحة فجمع العمال لعبد الرحمن جمعًا كثيرًا وسار إلى إياث فواقعه فانهزم غياث ومن معه وقتل غياث وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة وفيها مات جعفر بن أبي جعفر المنصور وصلى عليه أبوه ودفن ليلًا في مقابر قريش ولم يكن للناس في هذه السنة صائفة‏.‏

وحج بالناس عبد الصمد بن علي وكان هو العامل على مكة في قول بعضهم وقال بعضهم‏:‏

بل كان العامل محمد بن إبراهيم‏.‏

وكان على الكوفة محمد بن سليمان بن علي وعلى البصرة عقبة بن سلم وعلى قضائها سوار وعلى مصر يزيد بن حاتم‏.‏

وفي هذه السنة مات الإمام الأعظم أو حنيفة النعمان بن ثابت‏.‏

ومعمر ابن راشد‏.‏

وعمر بن ذر وقيل‏:‏ مات عمر سنة خمس وخمسين ومائة وكان من الصالحين يقول بالإرجاء‏.‏

وفي سنة خمسين مات عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج‏.‏

ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وقيل‏:‏ مات سنة إحدى وخمسين‏.‏

وفيها مات مقاتل بن سليمان البلخي المفسر وكان ضعيفًا في الحديث‏.‏

وأبو جناب الكلبي‏.‏

وعثمان بن الأسود‏.‏

وسعيد ابن أبي عروبة واسم أبي عروبة مهران مولى بني يشكر كنيته أبو النضر‏.‏

يسار بالياء تحتها نقطتان وبالسين يسار المهملة‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائة

فيها أغارت الكرك على جدة‏.‏

  ذكر عزل عمر بن حفص عن السند وولاية هشام بن عمرو

وفيها عزل المنصور بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة المعروف بهزارمرد يعني ألف رجل عن السند واستعمل عليها هشام بن عمرو التغلبي واستعمل عمر بن حفص على إفريقية‏.‏

وكان سبب عزله عن السند أنه كان عليها لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن فوجه محمد ابنه عبد الله المعروف بالأشتر إلى البصرة فاشترى منها خيلًا عتاقًا ليكون سبب وصولهم إلى عمر بن حفص لأنه كان فيمن بايعه من قواد المنصور وكان يتشيع وساروا في البحر إلى السند فأمرهم عمر أن يحضروا خيلهم فقال له بعضهم‏:‏ إنا جئناك بما هو خير من الخيل وبما لك فيه خير الدنيا والآخرة فأعطنا الأمان إما قبلت منا وإما سترت وأمسكت عن إيذائنا حتى نخرج عن بلادك راجعين‏.‏

فآمنه‏.‏

فذكر له حالهم وحال عبد الله بن محمد بن عبد الله أرسله أبوه إليه فرحب بهم وبايعهم وأنزل الأشتر عنده مختفيًا ودعا كبراء أهل البلد وقواده وأهل بيته إلى البيعة فأجابوه فقطع ألويتهم البيض وهيأ لبسه من البياض ليخطب فيه وتهيأ لذلك يوم الخميس فوصله مركب لطيف فيه رسول من امرأة عمر ابن حفص تخبره بقتل محمد بن عبد الله فدخل على الأشتر فأخبره وعزاه فقال له الأشتر‏:‏ إن أمري قد ظهر ودمي في عنقك‏.‏

قال عمر‏:‏ قد رأيت رأيًا ها هنا من ملوك السند عظيم الشأن كثير المملكة وهو على شوكة أشد الناس تعظيمًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو وفي أرسل إليه فاعقد بينك وبينه عقدًافأوجهك إليه فلست ترام معه‏.‏

ففعل ذلك وسار إليه الأشتر فأكرمه وأظهر بره وتشللت إليه الزيدية حتى اجتمع معه أربعمائة إنسان من أهل البصائر فكان يركب فيهم ويتصيد في هيئة الملوك وآلاتهم‏.‏

فلما انتهى ذلك إلى المنصور بلغ منه وكتب إلى عمر بن حفص يخبره ما بلغه فقرأ الكتاب على أهله وقال لهم‏:‏ إن أقررت بالقصة عزلني وإن صرت إليه قتلني وإن امتنعت حاربني‏.‏

فقال له رجل منهم‏:‏ ألق الذنب علي وخذني وقيدني فإنه سيكتب في حملي إليه فاحملن فإنه لا يقدم علي لمكانك في السند وحال أهل بيتك بالبصرة‏.‏

فقال عمر‏:‏ أخاف عليك خلاف ما تظن‏.‏

قال‏:‏ إن قتلت فنفسي فدا لنفسك‏.‏

فقيده وحبسه وكتب إلى المنصور بأمره فكتب إليه المنصور يأمره بحمله فلما صار إليه رب عنقه‏.‏

ثم استعمل على السند هشام بن عمرو التغلبي وكان سبب استعماله أن المنصور كان تفكر فيمن يوليه السند فبينا هو راكب والمنصور ينظر إليه إذ غاب يسيرًا ثم عاد فاستأذن على المنصور فأدخله فقال‏:‏ إني لما انصرفت من الموكب لقيتني أختي فلانة فرأيت من جمالها وعقلها ودينها ما رضيتها لأمير المؤمنين‏.‏

فأطرق ثم قال‏:‏ اخرج يأتك أمري‏.‏

فلما خرج قال المنصور لحاجبه الربيع‏:‏ لولا قول جرير‏:‏ لا تطلبن خؤولة في تغلب فالزنج أكرم منهم أخوالا لتزوجت إليه قل له لو كان لنا حاجة في النكاح لقبلت فجزاك الله خيرًا وقد وليتك السند‏.‏

فتجهز إليها وأمره أن يكاتب ذلك الملك بتسليم عبد الله فإن سلمه وإلا حاربه وكتب إلى عمر بن حفص بولايته إفريقية‏.‏

فسار هشام إلى السند فملكها وسار عمر إلى إفريقية فوليها فلما صار هشام بالسند كره أخذ عبد الله الأشتر وأقبل يري الناس أنه يكاتب ذلك الملك واتصلت الأخبار بالمنصور بذلك فجعل يكتب إليه يستحثه فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببلاد السند فوجه هشام أخاه سفنجا فخرج في جيشه وطريقه بجنبات ذلك الملك فبينا هو يسير إذا غبرة قد ارتفعت فظن أنهم مقدمة العدو الذي يقصده قفوجه طلائعه فزحفت إليه فقالوا‏:‏ هذا عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على شاطئ مهران‏.‏

فمضى يريده فقال نصحاؤه‏:‏ هذا ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد تركه أخوك متعمدًا فخافه أن يبوء بدمه فلم يقصده فقال‏:‏ ما كنت لأدع أخذه ولا أدع أحدًا يحظى بأخذه أو قتله عند المنصور‏.‏

وكان عبد الله في عشرة فقصده فقاتله عبد الله وقاتل أصحابه حتى قتل وقتلوا جميعًا فلم يفلت منهم مخبر وسقط عبد الله بين القتلى فلم يشعر به‏.‏

وقيل‏:‏ إن أصحابه قذفوه في مهران حتى لا يحمل رأسه فكتب هشام بذلك إلى المنصور فكتب إليه إليه المنصور يشكره ويأمره بمحاربة ذلك الملك فحاربه حتى ظفر به وقتله وغلب على مملكته‏.‏

وكان عبد الله قد اتخذ سراري فأولد واحدة منهن ولدًا وهو محمد ابن عبد الله الذي يقال له ابن الأشتر فأخذ هشام السراري والولد معهن فسيرهن إلى المنصور فسير المنصور والولد إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله‏.‏

  ذكر ولاية أبي جعفر عمر بن حفص إفريقية

وفي هذه السنة استعمل المنصور على إفريقية أبا جعفر عمر بن حفص من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب وإنما نسب إلي بيت المهلب لشهرته‏.‏

وكان سبب مسيره إليها أن المنصور لما بلغه قتل الأغلب بن سالم خاف على إفريقية فوجه إليها عمر واليًا فقدم القيروان في صفر سنة إحدى وخمسين ومائة في خمسمائة فارس فاجتمع

فسار إلى الزاب لبناء مدينة طبنة بأمر المنصور واستخلف على القيروان حبيب بن حبيب المهلبي فخلت إفريقية من الجند فتار بها البربر فخرج إليهم حبيب فقتل واجتمع البربر بطرابلس وولوا عليهم أبا حاتم الإباضي واسمه يعقوب بن حبيب مولى كندة وكان عامل عمر بن حفص على طرابلس الجنيد بن بشار الأسادي وكتب إلى عمر يستمده فأمده بعسكر فالتقوا وقاتلوا أبا حاتم الإباضي فهمزمهم فساروا إلى قابس وحصرهم أبو حاتم وعمر مقيم بالزاب على عمارة طبنة وانتقضت إفريقية من كل ناحية ومضوا إلى طبنة فأحاطوا بها في اثني عشر عسكرًا منهم‏:‏ أبو قرة الصفري في أربعين ألفًا وعبد الرحمن بن رستم في خمسة عشر ألفًا وأبو حاتم في عسكر كثير وعاصم السدراتي الإباضي في ستة آلاف والمسعود الزناتي الإباضي في عشرة آلاف فارس وغير من ذكرنا‏.‏

فلما رأى عمر بن حفص إحاطتهم به عزم على الخروج إلى قتالهم فمنعه أصحابه وقالوا‏:‏ إن أصبت تلف العرب‏.‏

فعدل إلى إعمال الحيلة فأرسل إلى أبي قرة مقدم الصفرية يبذل له ستين ألف درهم ليرجع عنه فقال‏:‏ بعد أن سلم علي بالخلافة أربعين سنة أبيع حربكم بعرض قليل من الدنيا فلم يجبهم إلى ذلك‏.‏

فأرسل إلى أخي أبي قرة فدفع إليه أربعة آلاف درهم وثيابًا عل أن يعمل في صرف أخيه

الصفرية فأجابهم وارتحل من ليلته وتبعه العسكر منصرفين إلى بلادهم فاضطر أبو قرة إلى أتباعهم‏.‏

فلما سارت الصفرية سير عمر جيشًا إلى ابن رستم وهو في تهوذا قبيلة من البربر فقاتلوه فانهزم ابن رستم إلى تاهرت فضعف أمر الإباضية عن مقاومة عمر فساروا عن طبنة إلى القيروان فحصرها أبو حاتم وعمر بطبنة يصلح أمورها ويحفظها ممن يجاوره من الخوارج فلما علم ضيق الحال بالقيروان سار إليها‏.‏

ولما سار عمر بن حفص إلى القيروان استخلف على طبنة عسكرًا‏.‏

فلما سمع أبو قرة بمسير عمر بن حفص سار هو إلى طبنة فحصرها فخرج إليه من بها من العساكر وقاتلوه فانهزم منهم وقتل من عسكره خلق كثير‏.‏

وأما أبو حاتم فإنه لما حصر القيروان كثر جمعه ولازم حصارها وليس في بيت مالها دينار ولا في أهرائها شيء من الطعام فدام الحصار ثمانية أشهر وكان الجند يخرجون فيقاتلون الخوارج طرفي النهار حتى جهدهم الجوع وأكلوا دوابهم وكلابهم ولحق كثير من أهلها بالبربر ولم يبق غير دخول الخوارج إليها فأتاهم الخبر بوصول عمر بن حف من طبنة فنزل الهريش وهو في سبعمائة فارس فزحف الخوارد إليه بأجمعهم وتركوا القيروان فلما فارقوها سار عمر إلى تونس فتبعه البربر فعاد إلى القيروان مجدًا وأدخل إليها ما يحتاج من طعام ودواب وحطب

وغير ذلك ووصل أبو حاتم والبربر إليه فحصروه فطال الحصار حتى أكلوا دوابهم وفي ك يوم يكون بينهم قتال وحرب فلما ضاق الأمر بعمر وبمن معه قال لهم‏:‏ الرأي أن أخرج من الحصار وأغير على بلاد البربر وأحمل إليكم الميرة‏.‏

قالوا‏:‏ إنا نخاف بعدك قال‏:‏ فأرسل فلانًا وفلانًا يفعلان ذلك فأجابوه فلما قال للرجلين قالا‏:‏ لا نتركك في الحصار ونسير عنك‏.‏

فعزم على إلقاء نفسه إلى الموت فأتى الخبر أن المنصور قد سير إيه يزيد ابن حاتم بن قتيبة بن المهلب في ستين ألف مقاتل وأشار عليه من عنده بالتوقف عن القتال إلى أن يصل العسكر فلم يفعل وخرج وقاتل فقتل منتصف ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة وقام بأمر الناس حميد بن صخر وهو أخو عمر لأمه فوادع أبا حاتم وصالحه على أن حميدًا ومن معه لا يخلعون المنصور ولا ينازعهم أبو حاتم في سوادهم وسلاحهم وأجابهم إلى ذلك وفتحت له القيروان وخرج أكثر الجند إلى طبنة وأحرق أبو حاتم أبواب القيروان وثلم سورها‏.‏

وبلغه وصول يزيد بن حاتم فسار إلى طرابلس وأمر صاحبه بالقيروان بأخذ سلاح الجند وأن يفرق بينهم فخالف بعض أصحابه وقالوا‏:‏ لا نغدر بهم وكان المقدم على المخالفيين عمر بن عثمان الفهري وقام في القيروان وقتل أصحاب أبي حاتم فعاد أبو حاتم فهرب عمر بن عثمان من بين يديه إلى تونس وعاد أبو حاتم إلى طرابلس لقتال يزيد بن حاتم‏.‏

فقيل‏:‏ كان بين الخوارج والجنود من لدن عمر بن حفص إلى انقضاء أمرهم ثلاثمائة وخمس وسبعون وقعة‏.‏

  ذكر ولاية يزيد بن حاتم إفريقية وقتال الخوارج

لما بلغ المنصور ما حل بعمر بن حفص من الخوارج جهز يزيد بن حاتم ابن قبيصة بن أي صفرة في ستين ألف فارس وسيره إلى إفريقية فوصلها سنة أربع وخمسين ومائة‏.‏

فلما قاربها سار إليه بعض جندها واجتمعوا به وساروا معه إلى طرابلس فسار أبو حاتم الخارجي إلى جبال نفوسة وسير يزيد طائفة من العسكر إلى قابس فلقيهم أبو حاتم فهزمهم فعادوا إلى يزيد ونزل أبو حاتم في مكان وعر وخندق على عسكره وعبأ يزيد أصحابه وسار إليه فالتقوا في ربيع الأول سنة خمس وخمسين فاقتتلوا أشد قتال فانهزمت البربر وقتل أبو حاتم وأهل نجدته وطلبهم يزيد في كل سهل وجبل فقتلهم قتلًا ذريعًا وكان عدة من قتل في المعركة ثلاثين ألفًا‏.‏

وجعل آل المهلب يقتلون الخوارج ويقولون‏:‏ يا لثارات عمر بن حفص‏!‏ وأقام شهرًا يقتل الخوارج ثم رحل إلى القيروان‏.‏

فكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن الفهري مع أبي حاتم فهرب إلى كتامة فسير إليهم يزيد بن حاتم جيشًا فحصروا البربر وظفروا بهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كان معه وصفت إفريقية وأحسن يزيد السيرة وآمن الناس إلى أن انتقضت ورفجومة سنة أربع وستين ومائة بأرض الزاب وعليها أيوب الهواري فسير إليهم عسكرًا كثيرًا واستعمل عليهم يزيد بن مجزاء المهلبي فالتقوا واقتتلوا فانهزم يزيد وقتل كثير من أصحابه وقتل المخارق بن غفار صاحب الزاب فولي مكانه المهلب بن يزيد المهلبي وأمدهم يزيد بن حاتم بجمع كثير واستخمل عليهم العلاء بن سعيد المهلبي وانضم إليهم المنهزمون ولقوا ورفجومة واقتتلوا واشتد القتال فانهزمت البربر وأيوب وقتلوا بكل مكان حتى أتي على آخرهم ولم يقتل من الجند أحد‏.‏

ثم مات يزيد في رمضان سنة سبعين ومائة وكانت ولايته خمس عشرة سنة وثلاثة أشهر واستخلف ابنه داود على إفريقية‏.‏

  ذكر بناء الرصافة للمهدي

وفي هذه السنة قدم المهدي من خراسان في شوال فقدم عيه أهل بيته من الشام والكوفة والبصرة وغيرها فهنأوه بمقدمه وفأجازهم وحملهم وكساهم وفعل بهم المنصور مثل ذلك وكان سبب بنائها أن بعض الجند شغبوا على المنصور وحاربوه على باب الذهب فدخل عليه قثم بن العباس وهو شيخهم وله الحرمة والتقدم عندهم فقال له المنصور‏:‏ أما ترى ما نحن فيه من التياث الجند علينا وقد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا فما ترى قال‏:‏ يا أمير المؤمنينعندي رأي إن اظهرته لك فسد وإن تركتني أمضيه وصلحت خلافتك وهابك جندك‏.‏

قال له‏:‏ أفتمضي في خلافتي شيئًا لا أعلمه فقال له‏:‏ إن كنت عندك متهمًا فلا تشاورني وإن كنت مأمونًا عليها فدعني أفعل رأيي‏.‏

قال له المنصور‏:‏ فأمضه‏.‏

فانصرف قثم إلى منزله فدعا غلامًا له فقال له‏:‏ إذا كان غدًا فتقدمن واجلس في دار أمير المؤمنين فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب فخذ بعنان بغلتي فاستحلفني بحق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبحق العباس وبحق أمير المؤمنين إلا ما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها فإني سأنتهرك وأغلظ لك القول فلا تخف وعاود المسألة فإني سأضربك فعاود وقل لي‏:‏ أي الحيين أشرف اليمن أم مضر فإذا أجبتك فاترك البغلة وأنت حر‏.‏

ففعل الغلام ما أمره وفعل قثم به ما قاله ثم قال‏:‏ مضر أشرف لأن منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتعضت لذلك اليمن إذ لم يذكر لهم شيئًا من شرفها وقال بعض قوادهم‏:‏ ليس الأمر كذلك مطلقًا بغير فضيلة لليمن ثم قال لغلام له‏:‏ قم إلى بغلة الشيخ فاكبحها‏.‏

ففعل حتى كاد يقعيها فامتعضت مضر وقالوا‏:‏ أيفعل هذا بشيخنا فأمر بعضهم غلامه فضرب يد ذلك الغلام فقطعها فنفر الحيان‏.‏

ودخل قثم على المنصور فافترق الجند فصارت مضر فرقة وربيعة فرقة والخراسانية فرقة‏.‏

فقال قثم للمنصور‏:‏ قد فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابًا كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثًا فتضربه بالحزب الآخر وقد بقي عليك في التدبير بقية وهي أن تعبر بابنك فتنزله في ذلك الجانب وتحول معه قطعة من جيشك فيصير ذلك بلدًا وهذا بلدًا فإن فسد عليك أولئك ضربتهم بهؤلاء وإن فسد عليك هؤلاء ضربتهم بأولئك وإن فسد عيك بعض القبائل ضربتهم بالقبيلة الأخرى‏.‏

فقبل رأيه واستقام ملكه وبنى الرصافة وتولى صالح صاحب المصلى ذلك‏.‏